لا تمُرِّي " أنيتُ " طَيفاً ببالي
ما لِطيفٍ يسُمُ لحمي ومالي
أنا عندي مِن مُوحشاتِ الخَيالِ
الطيوفُ المُعرِّساتُ حِيالي
كذئابٍ مسعورةٍ وسَعالي
بل تَعالَيْ إلى يديَّ ، تعالِي
فهُما الآنَ يَحضنانِ الفِراشا
خالياً منكِ يستفيضُ ارتعاشا
ههنا ، ههنا مكانُكِ أمسِ
ههنا ، مسَّ أمسِ رأسُكِ رأسي
ههنا أمسِ ، أمسِ ، ذوَّبتُ نفسي
في يبيسٍ من الشفاهِ الظّوامي
تتساقى مِن القلوبِ الدّوامي
أمسِ كنَّا هُنا هنا نتساقى
من كؤوس الهوى دِهاقاً وِفاقا
أمس كنَّا رُوحاً بروحٍ تَلاقى
ويداً تحتوي يداً ، وفُؤادا:
لأخيهِ يبثُّ نجوى ، وعينا :
تَرتعي أُختَها فكيفَ وأينا :
عادَ ما كانَ أمسِ منَّا طِباقا
وحشةً ، وارتِعاشةً ، وفِراقا
أمس ِ ، أمسِ ، التقت هُنا شَفَتانِ
كانتا من عجيبِ صُنع الزمانِ
ذوَّبَ الدهرُ من مزيج الأماني
فيهما ، كلَّ موحِشٍ ولطيفِ
وبليدٍ ، وحائرٍ ، وعصوفِ
أمسِ ، أمسِ ، التقت هنا شَفَتانِ
يستطيرانِ " وقدةً " واُوارا
ويسيلان في المراشِف نارا
ويُثيران من شَكاةِ الزمانِ
في لهاثِ الأنفاسِ مثلَ الدخان
وكأن العيونَ بُلهاً ، سكارى
من عثارِ اللهاثِ تُكسى غبارا
أمسِ ، راحتْ على الشفاهِ تدور
قُبُلاتٌ من قبلُ كانت أسارى
في شِعافِ الفؤادِ ، حَيرى ، تمورُ
وزوانٍ ! كأنهُنَّ العذارى
أمسِ ، رُدَّتْ إماؤها أحرارا
وأماطتْ عن الضّميرِ ! السّتارا
فبدا ذلك " الحِمارُ !! " الصغير
مثقلاً ، فوقه الخنا ، والفجور!
يأكُلُ الشهوةَ الفظيعةَ ..نارا
ويعُدُّ الصبرَ القبيحَ فخارا
ثُم يَطغى سعيرُها ويثورُ
فوقَ وجهٍ يَضوى ، وعَينٍ تغور
ثم يُلوى بِثقْلِهِ .. ويخور
أمسِ " نعٌ " بين الشفاه طَهورُ
غسَلَ الحِقدَ ، والخنا ، والعارا
ونهى ( الرجسَ ) أن يكون شعارا
أمسِ ، راحت على الشّفاهِ تدورُ
هَمَساتٌ تُصغي لهنَّ الدُهور
وبذيل " المجرِّ " منها عبير!
ههنا أمسِ ، كانَ خيطٌ يَرِقُّ
من نسيجِ الدُّجى ، وفجرٌ يشُقُّ
دربَه ، والنجومُ شِقٌّ وشِقُّ
ههنا أمسِ ، كانَ جَرسٌ يَدُقُّ
ضربَاتٍ سِتَّاً يرنُّ صداها
وتُفيقُ الدُّنيا على نجواها
أمسِ مدَّ الصباحُ كفَّاً فحلاً
من نجومِ السّماءِ عِقداً تحلَّى
بسناهُ الدُّجى ، وفرَّقَ شَملا
أمسِ ، إلاّ نجماً دنا فتدَّلى
يُرغِمُ الشمسَ أن تَرى منهُ ظِلاّ
أمسِ ، هذا النجمُ الغريبُ أطلاَ
مِن على شُرفَةٍ نُطِلُّ عليها
ونُزَجِّي همسَ الشفاهِ إليها
أمسِ ، هذا النجمُ المنوَّرُ كانا
يَرتبي مِن ذُرى السماءِ مَكانا
أمسِ ، والانَ لا يزالُ عِيانا
وسيَرْتَدُّ بُكرةً وعشِيَّا
مائِلا ظِلُّه الخفوقُ لديّا
يملأُ النفسَ لوعةً وحنانا
كان في ظِلِّ غيمةٍ تتهرّى
ترتَديه طَوراً ، وطَوراً تعرَّى
ومشى " سانِحٌ " إليه ، ومرّا
" بارِحٌ " جنبَه ، وكانَ جَناحُ
يلتقي جنبَ آخرٍ ينزاحُ
عنهُ : في حينَ راحَ يبغي مَمَرَّا
بين هذا وذاكَ حتّى استقرّا
أفتدرِينَ أينَ ؟ تدرينَ أينا !!
فلقد كنتِ تَملئينَ العَينا
مِن جمالِ " الشُّجيرةِ " الورفاءِ
تتراءى كقُبّةٍ خَضراءِ
عن يمينِ الحَديقةِ الغنَّاء
بُرهةً ! ثُمَّ راحَ يمشي الهُوينا
والهُوينا ! حتى اضْمَحلَّ فغابا
وانطوى . ثم عادَ أمسِ فآبا
وتمشَّى فُويقَ ، ثُمَّ دُوَينا !
ورآنا – ولا نؤوبُ – انطوينا
ورأى غيرَنا يُجِدُّ مكانا
كانَ في أمسِ مَرْتَعاً لِهوانا
هكذا ، هكذا ، أردنا فكانا
فلنُخَلِّ القضا ! ونُعْفِ الزمانا